تعزيز قواعد الحرب في زمن الاضطرابات…ماذا أضاف البروتوكولان الإضافيان لعام 1977 للقانون الدولي الإنساني؟

قانون الحرب

تعزيز قواعد الحرب في زمن الاضطرابات…ماذا أضاف البروتوكولان الإضافيان لعام 1977 للقانون الدولي الإنساني؟

طفل يرفع يده مؤديًا تحية عسكرية في مركز لتأهيل أطفال محاربين سابقين في جمهورية الكونغو الديمقراطية في 2006. تصوير: (Wojtek Lembryk/ اللجنة الدولية).

“كان [8 حزيران/يونيو 1977] تاريخ ينطبع في الذاكرة: اجتمع ممثلو معظم الأمم من جميع أصقاع العالم، وهم الذين يلاقون غالباً صعوبات في التوصل إلى اتفاق في أزمتنا المضطربة، ووضعوا ختمهم على وثيقة لا أتردد في تسميتها ميثاق البشرية.”
– جان بيكتيه، النائب السابق لرئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر، أيلول/سبتمبر 1977
 قبل أربعين عاما مضت وفي إطار عملية التخلص من الاستعمار والحرب الباردة اجتمعت دول العالم في جنيف لإعادة التأكيد على القانون الدولي الإنساني وتطويره. وبعد الحرب العالمية الثانية فاق عدد النزاعات المسلحة غير الدولية عدد النزاعات المسلحة الدولية بكثير مما جرد المدنيين من الحماية المكفولة لهم بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949. وانتشرت أيضاً نزاعات غير متكافئة يعتمد المقاتلون فيها على تكتيكات مخالفة للعرف إذ يواجه المقاتلون جيوشاً محكمة التنظيم ومجهزة أحسن تجهيز.
وقد أفرز السباق نحو التسلح إبَّان الحرب الباردة واستحداث تكنولوجيات أسلحة جديدة حقائق جديدة في ساحة المعركة، مثل الأسلحة الجوية والقذائف. وباتت هذه الاختراعات تجعل الضربات تقع فعلياً في أي مكان ولم تخضع لأية قيود محددة. وأخيرًا، شهدت فترة السبعينات زيادة في عدد دول العالم ثلاثة أضعاف نتيجة لإنهاء الاستعمار. و«ورثت» هذه الدول قواعد الحرب التي تفاوضت بشأنها دول أخرى.
ونظراً لهذه التجارب وتغير وجه النزاعات المسلحة الحديثة، كان لابد من إعادة التأكيد على مبادئ القانون الدولي الإنساني وتوضيحها، كما كان لابد من تقنين وتطوير القواعد الأساسية المتعلقة بسير العمليات القتالية. واعتمدت 124 دولة، بما فيها دول ناشئة عديدة، البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949 في 8 حزيران/يونيو 1977.
وقد جاء البروتوكولان الإضافيان لتعزيز حماية ضحايا النزاعات المسلحة، ومنهم المدنيون، في النزاعات المسلحة الدولية (البروتوكول الأول) وفي النزاعات المسلحة غير الدولية (البروتوكول الثاني). وكان البروتوكول الإضافي الثاني في الواقع المعاهدة العالمية الأولى المخصصة حصرياً للنزاعات المسلحة غير الدولية. فقد فرض البروتوكول الثاني أيضاً قيوداً على الطرق التي يجب أن تُخاض بها الحروب ومنح أطراف النزاع وسائل تحقيق التوازن بين الضرورة الإنسانية والضرورة العسكرية. وعززت هذه الجهود توافق الآراء بين الدول حول القانون الدولي الإنساني وزادت من مسؤولياتها إزاء هذا القانون.
ويُعد البروتوكولان الإضافيان اليوم من أكثر الصكوك المصادق عليها في العالم. وما زالا يقفان في الجبهة الأمامية للنزاعات المعاصرة، يوفران الحماية للمدنيين من أسوأ التجاوزات التي تقع في الحرب ويوجهان أطراف النزاع لأنهما يدفعان إلى المصادقة على معاهدات جديدة.

الحاضرون في مؤتمر إقرار البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949 في 8 حزيران/يونيو 1977. تصوير: Jean-Jacques Kurz. أرشيف اللجنة الدولية.

ماذا أضاف بروتوكولا عام 1977؟
المسؤولية العالمية
زاد عدد دول العالم ثلاثة أضعاف نتيجة إنهاء الاستعمار في فترة السبعينات. وفاق عدد الدول التي شاركت في صياغة البروتوكولين الإضافيين بضعفين عدد الدول التي وضعت اتفاقيات جنيف لعام 1949. وبالتالي فمجرد إعادة التأكيد على المبادئ الأساسية للقانون الدولي من جانب مجتمع الدول على نطاق أوسع هو في حد ذاته إنجاز عظيم. بالإضافة إلى ذلك جرى اعتماد معظم مواد البروتوكولين بتوافق الآراء، وهذا مؤشر جيد على مستوى المسؤولية الدولية والقبول من خلال هذه العملية.
قواعد سير العمليات القتالية
جاء البروتوكولان الإضافيان لتقنين وتطوير القواعد الأساسية المتعلقة بسير العمليات القتالية، ومنها:
• التمييز: يجب على أطراف النزاع أن تميز في جميع الأوقات بين المدنيين والممتلكات المدنية من ناحية والمقاتلين والأهداف العسكرية من ناحية أخرى وتوجيه عملياتها العسكرية ضد الأهداف العسكرية فقط. ويُحظر توجيه الهجمات ضد المدنيين والممتلكات المدنية، وتعد الهجمات العشوائية محظورة.
• التناسب: لا يجوز لأطراف النزاع شن هجمات يُتوقع منها إلحاق ضرر عرضي بالمدنيين أو الممتلكات المدنية، وهي التي قد تكون مفرطة مقارنة بالمزية العسكرية الملموسة والمباشرة المتوقعة منها.
• توخي الحذر أثناء الهجوم: يجب على أطراف النزاع أن تتوخى الحذر باستمرار من أجل حماية المدنيين والممتلكات المدنية أثناء سير العمليات العسكرية. ويجب عليها أن تتخذ كل الاحتراس الممكن لتفادي أو على الأقل تخفيف إلحاق الضرر العرضي بالمدنيين والممتلكات المدنية.
• الاحتراس من آثار الهجمات: يجب على أطراف النزاع أن تتخذ كل الاحتراس الممكن لحماية المدنيين والممتلكات المدنية تحت سيطرتها من آثار الهجمات.

سجناء في زنازينهم في 2007. سجن هاشرون/إسرائيل. تصوير (Christoph von Toggenburg/ اللجنة الدولية).

المزيد من الحماية
ساهم البروتوكولان الإضافيان في إعادة التأكيد على القانون الدولي الإنساني وتوضيحه وتطويره، مما أفضى إلى إدخال تحسين حقيقي على الحماية المكفولة للسكان المدنيين والسجناء وأولئك الذين كفوا عن القتال. وفيما يلي بعض الأمثلة:
البروتوكول الإضافي الأول: النزاعات المسلحة الدولية
• عزز الأحكام المتعلقة بعمليات الإغاثة للسكان المدنيين (المواد من 68 إلى 71)
• وسع نطاق الحماية المكفولة للمنشآت الطبية المدنية وللمستشفيات (المادة 12) ووضح ما هي الفئات التي يحق لها أن تحظى بهذه الحماية، مثل “الجرحى” و”المرضى” والغرقى في البحار” (المادة 8)
• نص على إنشاء مناطق محمية تتفق عليها أطراف النزاع لتوفير الحماية للأشخاص المتضررين من النزاع المسلح (المواد من 59 إلى 60)
• حظر تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة وتسخيرهم في العمليات القتالية (المادة 77)
• أقر بواجب الدول في تزويد العائلات بمعلومات عن مصير أقاربها المفقودين وقدم تفاصيل عن الإجراءات الواجب اتخاذها لتوضيح مصير الأشخاص المفقودين (المواد من 32 إلى 34)
• حظر صراحة الهجمات على الممتلكات الثقافية وأماكن العبادة (المادة 53) والممتلكات التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة (المادة 54) والأشغال والمنشآت التي تحتوي على قوى خطرة (المادة 56)
• أوضح قواعد مكرَّسة خصيصاً لحماية البيئة الطبيعية (المادتان 35 و55)
• أكد على أن أطراف النزاع لا تملك حقاً مطلقاً في اختيار أساليب أو وسائل القتال (المادة 35)
• ألزم الدول بتحديد ما إذا كان استخدام سلاح جديد، في بعض الأحوال أو في جميع الأحوال، محظوراً بموجب البروتوكول الأول أو أية قاعدة أخرى من قواعد القانون الدولي المنطبق على الأطراف السامية المتعاقدة (المادة 36) كما أوجب عليها توفير مستشارين قانونيين لقواتها المسلحة عند الضرورة لتقديم المشورة لقادتها وتدريب جنودها على القانون الدولي الإنساني (المادة 82).

عناصر من الجيش الفلبيني أثناء دورة تدريبية حول القانون الدولي الإنساني في 2010. تصوير: Didier Revol/ اللجنة الدولية.

 البروتوكول الإضافي الثاني: النزاعات المسلحة غير الدولية
• عزز الضمانات الأساسية ضد التعذيب والاغتصاب والعنف المهدد للحياة، التي يتمتع بها كل الأشخاص الذين لا يشاركون في العمليات القتالية أو الذين كفوا عن المشاركة فيها كما عزز حماية الأطفال (المادة 4)
• أرسى قواعد الحماية الدنيا للأشخاص المحرومين من حريتهم ونص على ضمانات قضائية للأشخاص الملاحقين قضائيا بسبب نزاع مسلح (المادتان 5 و6)
• حظر الهجمات الموجهة ضد السكان المدنيين والمدنيين (المادة 13) والهجمات ضد: الممتلكات التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة (المادة 14) والأشغال والمنشآت التي تحتوي على قوى خطرة (المادة 15) والممتلكات الثقافية وأماكن العبادة (المادة 16)
• حظر تجنيد الأطفال تحت سن الخامسة عشرة وتسخيرهم في العمليات القتالية (المادة 4)
• حظر الترحيل القسري للمدنيين ما عدا إذا تطلب ذلك أمانهم أو إذا كان ذلك لأسباب عسكرية قاهرة (المادة 17)
• نص صراحة على حماية كل الطواقم والمنشآت ووسائط النقل الطبية، سواء منها المدنية أو العسكرية (المادتان 9 و11)

جلسة تعريفية بالقانون الدولي الإنساني لعناصر من الجيش السنغالي في 2016. تصوير: José Cendón/ اللجنة الدولية.

نحو قواعد دولية أقوى ومساءلة أقوى
وسع البروتوكولان الإضافيان قائمة الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني التي يمكن أن تعرض مرتكبيها للمساءلة الجنائية. وقد جرمت 57 دولة من دول العالم انتهاكات القانون الدولي الإنساني في قوانينها الوطنية استناداً إلى أحكام القانون الدولي الإنساني.
وساعد البروتوكولان الإضافيان أيضا على تطوير القانون الدولي الجنائي، لاسيما فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية. واستُمِدَّت تعاريف جرائم الحرب المنصوص عليها في النظم الأساسية للمحاكم الجنائية الدولية التي أنشئت في التسعينات من لغة البروتوكولين الإضافيين. ورسخت هذه المحاكم الدولية بشكل ملموس المسؤولية الجنائية الفردية بالنسبة لجرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية.
واعتمد عدد من الدول الآن قوانين تجرِّم جرائم الحرب المرتكبة في النزاعات المسلحة غير الدولية، لا سيما كجزء من تنفيذ النظام الأساسي لروما على المستوى الوطني، وهو النظام الأساسي الذي أفضى إلى إنشاء المحكمة الجائية الدولية. وقد جرت محاكمة عدد من الأشخاص في محاكم وطنية على جرائم للحرب ارتُكبت في نزاعات مسلحة غير دولية.
ووضع البروتوكولان الإضافيان أيضاً الأساس لإبرام معاهدات دولية جديدة تعزز الحماية المكفولة للمدنيين والممتلكات المدنية أثناء النزاعات المسلحة. فعلى سبيل المثال، أثناء صياغة المادة 35 من البروتوكول الإضافي الأول التي تحد من الحق في اختيار وسائل وأساليب القتال، أوصى المندوبون المتفاوضون حول البروتوكولين الإضافيين عقد مؤتمر دبلوماسي منفصل عن الأسلحة.
وهذا ما أدى إلى وضع اتفاقية عام 1980 بشأن أسلحة تقليدية معينة تحظر أو تقيد استخدام أسلحة معينة يمكن اعتبارها مفرطة الضرر أو عشوائية الأثر. وشكلت المبادئ والقواعد المتضمنة في البروتوكولين الإضافيين أيضاً الأساس الذي ترتكز عليه معاهدة عام 1997 لحظر الألغام المضادة للأفراد ومعاهدة عام 2008 التي تحظر الذخائر العنقودية.
وهناك مثال آخر على مفعول البروتوكولين الإضافيين هو موضوع الجنود الأطفال. فكان البروتوكولان أولى المعاهدات التي تطرقت لموضوع تجنيد الأطفال في النزاعات المسلحة وتسخيرهم في العمليات القتالية.
وكانت لغة البروتوكول الإضافي الأول قد استخدمت في اتفاقية جنيف بشأن حقوق الطفل. وفي عام 2000 أوصى البروتوكول الاختياري للاتفاقية الخاصة بحقوق الطفل بشأن مشاركة الأطفال في النزاعات المسلحة بحماية أقوى من خلال حظر التجنيد الإجباري للأطفال دون سن الثامنة عشرة في القوات المسلحة. وشجَّع البروتوكول الاختياري أيضاً الدول الأطراف على رفع السن الأدنى للتجنيد الطوعي إلى ما يقرب من سن الثامنة عشرة قدر الإمكان وضمان عدم مشاركة المجندين طوعاً دون سن الثامنة عشرة مشاركة مباشرة في العمليات القتالية.

سيارة تابعة للجنة الدولية تسير وراء سيارة تابعة للصليب الأحمر اللبناني وهي تحمل جريح حرب سوري في 2013. تصوير: Didier Revol/ اللجنة الدولية.

التطلع إلى المستقبل
تؤدي القواعد المتضمنة في البروتوكولين الإضافيين دوراً مؤثراً في التأمُّل حاليا في الحرب السيبرانية وإلهامه. وتنظم التعاريف المتضمنة في البروتوكولين الإضافيين وأية ممارسة أخرى كل عملية تعد «هجومًا» أو «هدفًا عسكريًا» في عالم السيبرانية.
وهناك نقاش متواصل آخر بشأن الأسلحة النووية التي كانت موضوع مناقشات صعبة أثناء التفاوض حول البروتوكولين الإضافيين. لكن المفاوضات حول صك ملزم قانوناً يحظر الأسلحة النووية بدأت في الأمم المتحدة في عام 2017. ويكمن الحافز وراء المفاوضات في دواعي القلق من العواقب الإنسانية الكارثية للأسلحة النووية وعدم تلاؤم الأسلحة النووية مع القواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، بما في ذلك التمييز والتناسب والحيطة أثناء الهجوم وأيضاً حظر الهجمات العشوائية وحماية البيئة الطبيعية. وكان البروتوكولان الإضافيان قد أعادا التأكيد عليها وتوضيحها وتطويرها قبل أربعين عاماً مضت.
*هذا النص مختصر من «ورقة سياسات» أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر. انقر هنا لقراءة الورقة كاملة.
*روابط لمواد أخرى من إنتاج اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن البروتوكولين الإضافيين:
نظرة عامة لاتفاقيات جنيف 1949 وبروتوكولاتها الإضافية
أسئلة وأجوبة حول البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني لاتفاقيات جنيف
نص الملحق (البروتوكول) الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977
نص الملحق (البروتوكول) الثاني الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977

اطلع غيرك على هذا المقال

تعليقات

لا توجد تعليقات الآن.

اكتب تعليقا